قبائل العرب بورقلة ووادي ريغ
لمّا اعتزت رياح على الأمراء والدول، وتغلبوا على جبل أوراس والحضنة والزاب ووارقلة وقصور ريغ، تلافت الدولة الحفصية أمرهم بالاصطناع والاستمالة وأقطعوهم ما غلبوا عليه من البلاد.
وامتاز الذواودة بملك ضواحي قسنطينة وبجاية من التلول ومجالات الزاب وريغ ووارقلة وما وراءها من القفار في بلاد القبلة. واستقرت أكثر بطون رياح في التل والزاب، واستقرت باديتهم في الصحراء، يتقلبون بظواعنهم في قفارها في المشاتي، ويظهرون إلى التلول في المرابع والمصايف.
وكانت بطون رياح كلها تبع للذواودة ومقتسمون عليهم، وأشدّهم قوة وأكثرهم جمعاً بطون سعيد ومسلم والأخضر، يبعدون النجعة في القفار والرمال، ويختصون بالحلف فريقاً دون آخر. فسعيد، أحلاف لأولاد محمد سائر أيامهم إلا قليلا من الأحيان ينابذونهم ثم يراجعونهم، ومسلم والأخضر أحلاف لأولاد سباع كذلك إلا في بعض الأحايين.
فأما سعيد موضوع حديثنا، فكانت رئاستهم لأولاد يوسف بن زيد منهم في أولاد ميمون بن يعقوب بن عريف بن يعقوب بن يوسف، وأردافهم أولاد عيسى بن رحاب بن يوسف. ومع أولاد يوسف هؤلاء لفائف من العرب يعرفون بالمخادمة والغيوث والبحور، فأما المخادمة والغيوث فمن أبناء مخدم فمن ولد مشرف بن أثبج. وأما البحور ففيهم نفاث من بطون جذام، وزنارة من البربر من لواتة.
وكان من أحلاف أولاد محمد من الذواودة أيضا، بطن رياب بن سواءة بن عامر بن صعصعة، اندرجوا في أعداد رياح، وكان لهم معهم ظعن ونجعة، ولهم مكان من حلفهم ومظاهرتهم.
ومن أشهر بطون سعيد وأشدّهم قوة، سعيد وعتبة ابنا مالك بن رياح. وكان تجمّعهم بنواحي الحجيرة مع إخوانهم أولاد مولات، وأحلافهم المخادمة، ثم افترقوا. فاستقر أولاد مولات بتقرت، وسعيد أولاد عمر بتماسين والحجيرة، بينما توغل سعيد عتبة والمخادمة جنوبا، فاستقر سعيد عتبة بنقوسة، والمخادمة بورقلة والرويسات. واعتزّ سكان ورقلة بسعيد عتبة على حميان الذين كانوا يخشون انتقامهم.
فمن سعيد عتبه: فطناسة والرحبة وبومنصور والعمارات وأولاد فدول والصبارات والزقافرة. ومن سعيد أعمر: الأخضر من أخضر الزيبان، وأولاد ميمون، وأولاد بوحزامة، وأولاد مسيقة، وأولاد عبيد. ومن أولاد ميمون، السعيدانية وكنزوة.
ومن أولاد مولات: أولاد زيد، وأولاد حامد، والواته. ومن أولاد زيد، أولاد دباب.
وعرفت قبائل سعيد كغيرهم من بادية رياح رحلتي الشتاء والصيف. فبعد موسم جني التمور بين شهري أكتوبر ويناير، ترحل سعيد عتبة في اتجاه وادي مزاب حيث يمكثون حتى شهر أفريل، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى وادي زرقون، وينزلون على أحلافهم الأرباع. وبعد بضعة أسابيع ينتقلون إلى منطقة تيارت مرورا بتاجرونة والأغواط وعين شلالة .
وكان بنو مرين لما انقرضت دولتهم، وتفرقت بقاياهم في الأقطار، سكنت طائفة منهم بتاجموت غربي الأغواط. ثم ذهبت طائفة منهم إلى تقرت، وكانوا يبيعون الغنم إلى أجل، فلمّا عجز أهل تقرت عن قضاء ديونهم، أجمعوا أمرهم على أن يمّلكوا أحمد الجلابي منهم سلطانا على الواحة.
وكان أولاد صولة يأخذون من السكان جباية غير مستوفاة، فاستقدم من نواحي تاجموت سعيد عتبه وسعيد أولاد عمر، وكانت طريقهم إلى شمال الأغواط كما ذكرنا، فاعتز بهم على أولاد صولة.
أمّا المخادمة أحلاف سعيد، فهم بنو مخدم بن مشرف بن الأثبج. ومن بطونهم: بنو حسن وأولاد نصير وبنو خليفة والعريمات وأولاد أحمد. وكانوا يرحلون صيفا باتجاه الجنوب الشرقي من ورقلة نحو قاسي الطويل، ويواصلون مسيرتهم حتى غدامس. وفي الشتاء يتقلبون في رحلتهم بين وادي زرقون ووادي صغور شمال غرب مدينة غرداية. وكان بنو ثور بن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامِر بن صعصعة، يشتركون مع المخادمة في نطاق الترحال وطرق التنقل عبر الصحراء. وتربطهم أواصل القربى بقبائل حميان وأولاد المهدي. التفوا حول نواة يمثلها في ورقلة أولاد بلقاسم، واستقر قسم منهم منذ القرن 17م، وسكنوا قصور عين وقار والرويسات متخلين عن حياة الترحال.
أمّا شعانبة بوروبة، فقد وصلت إلى منطقة واد ميّة لأول مرّة في القرن الثاني عشر ميلادي. ومن بطونهم: أولاد إسماعيل، وأولاد أبو بكر، ودري، وأولاد فرج، وأولاد سعيد، وأولاد زايد. وكان نطاق ترحالهم يمتد من تماسين شمالا إلى عين صالح جنوبا وتصل حتى سفوح جبال القصور غربا. تقضي في هذا المجال الحيوي الرحب مدّة ثلاثة شهور، ثم تعود بعدها إلى ورقلة مع حلول فصل الخريف لجني التمور.
ثم قعدوا عن الظعن وأوطنوا بالقرى والآطام. فكان أول من استقر من هذه القبائل فرع من قبيلة بني ثور كما ذكرنا. استقروا بالقرب من عين وقار وفي الرويسات في منتصف القرن السابع عشر. ثم المخادمة ببامنديل في القرن التاسع عشر. ثم الشعانبة في النصف الثاني من القرن العشرين، وآخر من استقر من تلك القبائل، سعيد عتبة في الستينات من القرن الماضي. و قد استقروا بصفة دائمة في أحياء كثيرة من مدينة ورقلة وكانت مضاربهم بين النقوسة وبامنديل.
بقي أن أشير إلى أن هذه القبائل العربية التي كان الحكّام والسلاطين يستظهرون بها على أقتالهم، ويعتزّون بها على أعدائهم، كانت هي الآمر الناهي في البلاد. وكان السلاطين المتعاقبين مجرد أدوات في أيديهم. أمّا السكان المستقرين: بني براهيم وبني واقين وبني سيسين، فكانوا مجرد أتباع ورعايا للمتنافسين على الرئاسة والسلطة.
وخلال ذلك التنافس كانت تنشأ التحالفات والصفوف. ومنها صف الشعانبة والمخادمة وبني ثور ومدعومين من بني سيسين من جهة. وسعيد عتبة مدعومين من بني واقين من الجهة الأخرى. أما بني براهيم والذين كانوا يشكلون القسم الأكبر من السكان المستقرين، فكانوا مرة مع هؤلاء، وأخرى مع أولائك، حسب الظروف. وكان حلف الشعانبة وبني ثور والمخادمة وبني سيسين هو الأقوى ولمدة طويلة، ثم تهاوى تحت استماتت سعيد عتبة وبمظاهرة الأرباع والحرازلية. فأصبح سعيد عتبة هم الحاكم الفعلي للمنطقة، وأرغموا ورقلة على الإعتراف بتفوق نقوسة والتي أصبح لها سلاطينها يعينون من بني بابية الذين كانوا يتوارثون مشيختها.
