الحراكتة
الحراكتة من ولد أبي الشيخ حركات بن عساكر بن سلطان بن زمام بن رديني بن ذاود بن معاوية بن محمد بن عامر بن يزيد بن مرداس بن رياح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر.
وقد أخطأ شارل لورونت فيرو Feraud، حين نسبهم في بني سليم، فقال: "إنّ هؤلاء العرب الذين جاءوا مع بني هلال، تأثروا بالهوّارة الشاوية، وأخذوا عنهم نمط معيشتهم ولغتهم، ولم يحتفظوا من أصلهم العربي إلا باسم حركات، القائد العربي السُّلَمي الذي أعطى اسمه للقبيلة". والصواب هو ما ذكره ابن خلدون.
وتُرَوَّجُ اليوم شائعَةٌ مفادُها أنّ الحراكتة من هوارة، من ولد حركات من ولد بعرة، وليس ذلك بصحيح، لأن مواطن هؤلاء كما ذكر ابن خلدون بفحص أبّة وما إليها من نواحي الأربس بتونس، ولازالوا بها إلى اليوم. قال ابن خلدون في الصفحة 179 من المجلد 6: "وتليهم قبيلة أخرى في الجانب الشرقي منهم يعرفون بقيصورن ورئاستهم في بيت بني مومن ما بين ولد زعزاع وولد حركات ومواطنهم بفحص أبّة وما إليها من نواحي الأربس".
وأمّا حراكتة أم البواقي وباتنة فمن الذواودة، بالإضافة إلى من اندرج فيهم من غير نسبهم. وذكرهم ابن خلدون في بلاد رياح بالشرق الجزائري. فقال في الصفحة 29 من المجلد 6 : "وأسرت طائفة من قوم محمد بن مسعود منهم إبنه عبد الله، وابن عمه أبي الشيخ حركات بن عساكر بن سلطان". وقال في الصفحة 44: "كان فيمن قتله ذلك اليوم عبد الله بن محمد هذا وابن عمه أبو الشيخ حركات بن عساكر".
وتتفق الروايات المحلية مع الرواية التاريخية على أن أصل الحراكتة من الجنوب، انتقلوا إلى المعذر، ومنها انتقل فرع إلى عين البيضاء. ودخلوا في الحركة الشابية كما هو معروف، وحالفوهم في ثورتهم ضد الأتراك، وفي خلال تلك الوقائع اجتمعت إليهم طوائف أخرى من غير نسبهم. وبعد انهزام الشابية وأحلافهم نزلت لفائف أخرى من العرب والبربر على الحراكتة، ومن هؤلاء جميعا تشكلت قايدة الحراكتة التي ضمت قبائل من رياح ومن بني سليم ومن هوارة ومن غيرهم.
وأكبر قبائل الحراكتة هم العواسي من ولد عيسى بن يحيى بن إدريس بن أبي الشيخ حركات بن عساكر بن سلطان، وهم أهل الرياسة فيهم. ومعهم إخوانهم أولاد خنفر بن مسعود بن سلطان.
وعين البيضاء من مواطن بني هلال التاريخية، فعلى أرضها كانت أشهر معارك الهلاليين، وبواد نيني جُرحت فرسة فارسهم ذياب بن غانم البيضاء أو الشهباء، ثم ماتت قرب العين التي حملت اسمها "عين البيضاء". قال صاحب الصروف: "قال القدماء: ومن ذلك المحل خرج بنو هلال وبنو زناتة، وطافوا أكثر أنحاء أفريقية، وآخر عهدهم في بحيرة نيني التي بقرب عين البيضاء الآن. فقتل ذياب خليفة هناك، وجرح فرسه جرحا بليغا، حتى صارت تئنّ منه. فقال لها قائدها: نيني يا البيضاء نيني. ثم ماتت في العين التي بشمال الجبل بانحراف إلى الشرق فسمي ذلك المكان: عين البيضاء، وبنيت فيه قرية تسمى بذلك المحل هي الآن آهلة عامرة".
وإلى يوما هذا يفتخر أهل المدينة بنسبهم الهلالي، وينتصب تمثال فرسة ذياب شامخا في ساحتها. وينظم أبناؤها الأشعار ويتغنون بأمجادهم، ومنها ما سبق وأن نشرناه كقصيدة "عين البيضاء فرسة بني هلال" لشاعر التراث شمامي العياش، ومنها:
تاريخك يا البيضا مذكور
ماننساك يا بلادي موحال
ما كي ذليلة أهلك محقور
ما كي مربوطة في طوال
فارسك صنديد شجاع مشهور
ذياب الهلايلي من الأبطال
والزازية هي الجازية بعد تصرف الألسنة، وتوفيت بالمكان الذي حمل اسمها "مدينة الجازية".
وكان مصرع خليفة الزناتي على يد ذياب بن غانم بشرق الجزائر كما ذكرنا، بالوادي الذي حمل اسمه "واد الزناتي". قال ابن خلدون: "وجهز صاحب تلمسان من بني خزر قائده أبا سعدى اليفرني فكانت بينهم وبينه حروب إلى أن قتلوه بنواحي الزاب، وتغلبوا على الضواحي في كل وجه".
وتنقسم حراكتة رياح جغرافيا إلى ثلاثة أقسام، وهي: حراكتة السباخ (جمع سبخة أي شط)، وحراكتة المعذر والجرمة، وحراكتة جبل الثلاث. وتجمعهم أربع عمائر: أولاد عيسى وأولاد الحاج وأولاد مخلوف وأولاد عدوان.
وكانت رياستهم كما ذكرنا لأولاد عيسى، ويعرفون بالعواسي نسبة لجدهم عيسى الذوادي، وبحراكتة السباخ لارتيادهم الشطوط التي توفر عشبا مالحا تشتهيه إبلهم. ومن فصائلهم: أولاد عمارة وأولاد خنفر وأولاد سيوان. ومواطنهم بولاية أم البواقي، حول عين البيضاء وأم البواقي ومسكيانة.
ومن العواسي أيضا حراكتة المعاذير والحراكتة الجرامنة بولاية باتنة، بجبلِ بوعريف والشمُرّة وقصرو والجرمة والمعذر.
وأمّا أولاد عدوان، فسكنوا جبل الثّلاث بنواحي سريانة، في ولاية باتنة أيضا، فعرفوا بحراكتة الثلاث.
وأعادت سلطات الاحتلال تنظيم قايدة الحراكتة عدة مرات. وكانت سنة 1852 تتشكل من ستة فرق، على كل منها قائد، وهي: أولاد خنفر، خرارب الشراقة، خرارب الغرابة، أولاد سعيد، أولاد سوان وأولاد عمارة.
